فصل: أخبار أبي يزيد الخارجي.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة عبيد الله المهدي وولاية ابنه أبي القاسم.

ثم توفي عبيد الله المهدي في ربيع سنة اثنتي وعشرين لأربع وعشرين سنة من خلافته وولى ابنه أبو القاسم محمد ويقال نزار بعده ولقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال إنه لم يركب سائرأيامه إلا مرتين وكثر عليه الثوار وثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشي وزعم أنه ابن المهدي وحاصر طرابلس ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه ثم أغزى المغرب وملكه وولى على فاس أحمد بن بكر ابن أبي سهل الجذابي وحاصر الأدارسة ملوك الريف وغوارة فنهض ميسور الخصي من القيروان في العساكر ودخل المغرب وحاصر فاس واستنزل عاملها أحمد بن بكر ثم نهض في اتباع موسى فكانت بينهما حروب وأخذ الثورى بن موسى في بعضها أسيرا وأجلاه ميسور عن المغرب وظاهره عليه الأدارسة للذين بالريف وانقلب ميسور إلى القيروان سنة أربع وعشرين وعقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن إدريس على أعمال ابن أبي العافية وما يفتحه من البلاد فملك المغرب كلها ما عدا فاس وأقام دعوة الشيعة بسائر أعماله ثم جهز أبو القاسم أسطولا ضخما لغزو ساحل الإفرنجة وعقد عليه ليقرب ابن اسحاق فأثخن في بلاد الإفرنجة وسبى ونازل بلد جنوة وافتتحها وعظم صنع الله في شأنها ومروا بسردانية من جزرالفرنج فأثخنوا فيها ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشام فأحرقوا مراكبها ثم بعث عسكرا إلى مصر مع خادمه زيران فملكو الإسكندرية وجاءت عساكر الأخشيد من مصر فأزعجوهم عنها ورجعوا إلى المغرب.

.أخبار أبي يزيد الخارجي.

وهوأبو يزيد مخلد بن كيراد وكان أبوه كيراد من أهل قسطيلة من مدائن بلد توزر وكان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة وبها ولد ولده أبو يزيد ونشأ بتوزر وتعلم القران وخالط النكارية من الخوارج وهم الصفرية فمال إلى مذهبهم وأخذ به ثم سافر إلى تاهرت وأقام فيها يعلم الصبيان ولم صار الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدي انتقل هو إلى تقيوس وأقام يعلم فيها وكان يذهب إلى تكبير أهل ملته واستباحة الأموال والدماء والخروج على السلطان ثم أخذ نفسه بالحسبة على الناس وتغيير المنكر سنة ست عشرة وثلثمائة فكثر أتباعه ولما مات المهدي خرج بناحية جبل أوراس وركب الحمار وتلقب بشيخ المؤمنين ودعا للناصر صاحب الأندلس من بني أمية فاتبعه أمم من البربر وزحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر وهزمه وزحف إلى باغاية فحاصرها ثم انهزم عنها وكتب إلى بني واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلاثين ثم فتح تبسة صلحا ومجانة كذلك وأهدى له رجل من أهل مرماجنة حمارا أشهب فكان يركبه وبه لقب وكان يلبس جبة صوف قصيرة ضيقة الكمين وكان عسكر الكتاميين على الأريس فانفضوا وملكها أبو يزيد وأحرقها ونهبها وقتل في الجامع من لجأ إليه وبعث عسكرا إلى سبيبة ففتحها وقتل عاملها وبلغ الخبر إلى القاسم فقال لابد أن يبلغ المصلي من المهدية ثم جهز العساكر وبعثها إلى رقادة والقيروان وبعث خادمه ميسورا الخصي لحربه وبعث عسكرا مع خادمه بشري إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد وهزمه إلى تونس ودخل أبو يزيد باجة فنهبها وأحرقها وقتل الأطفال وسبى النساء واجتمع إليه قبائل البربر واتخذ الأبنية والبيوت وآلات الحرب وبعث إليه بشري عسكرا من تونس وبعث أبو يزيد للقائهم عسكرا آخر فانهزم أصحاب أبي يزيد وظفر أصحاب بشري ثم ثار أهل تونس ببشري فهرب فاستأمنوا لأبي يزيد فأمنهم وولى عليهم وسار إلى القيروان وبعث القائم خديمه بشري للقائه وأمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة وبعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبي يزيد وقتل منهم أربعة آلاف وجيء بأسراهم إلى المهدئة فقتلوا فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميين فهزم طلائعهم وأتبعهم إلى القيروان ونزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل وعاملها يومئذ خليل بن إسحاق وهو ينتظر وصول ميسور بالعساكر ثم ضايقه أبو يزيد وأغراه الناس بالخروج فخرج وهزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان ودخل أبو يزيد رقادة فعاث فيها وبعث أيوب الزويلي في عسكر إلى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث وثلاثين ونهبها وأمن خليلا فقتله أبو يزيد وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم ورفع النهب عنهم وزحف ميسور إلى أبي يزيد وكان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد وداخلوه في الغدر بميسور وكتب إليه القائم بذلك فحذرهم فطردهم عنه ولحقوا بأبي يزيد وساروا معه إلى ميسور فانهزم ميسور وقتله بنو كملان وجاؤوا برأسه فأطافه بالقيروان وبعث بالبشري إلى البلاد وبلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار وأمر بحفر الخنادق وأقام أبو يزيد سبعين يوما في مخيم ميسور وبث السرايا في كل ناحية يغنمون ويعودون وأرسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة واستباحوها وخرب عمران أفريقية من سائر الضواحي ولحق فلهم بالقيروان حفاة عراة ومات أكثرهم جوعا وعطشا ثم بعث القائم إلى رؤساء كتامة والقبائل وإلى زيري بن مناد ملك صنهاجة بالمسي رإلى المهدية فتأهبوا لذلك وسمع أبو يزيد بخبرهم فنزل على خمسة فراسخ من المهدية وبث السرايا في جهاتها وسمع كتامة بافتراق عسكره في الغارة فخرجوا لبياته آخر جمادى الأولى وكان ابنه فضل قد جاء بالمدد من القيروان فبعثه للقاء كتامة وركب في أثرهم ولقي أصحابه منهزمين ولما رآه الكتاميون انهزموا بغير قتال وأتبعهم أبو يزيد إلى باب المهدية ورجع ثم جاء بعد أيام لقتالهم فوقف على الخندق المحدث وعليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة وهزمهم وجاوز السور إلى البحر ووصل المصلى على رمية سهم من البلد والبربر يقاتلون من الجانب الآخر ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم وبلغ ذلك أبا يزيد وسمع بوصول زيري بن مناد فاعتزم أن يمر بباب المهدية ويأتي زيري وكتامة من ورائهم فقاتلوا أهل الأرباض ومالوا عليه لما عرفوه ليقتلوه وتخلص بعد الجهد ووصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوي أصحابه وانهزم العبيد ثم رحل وتأخر قليلا وحفر على معسكره خندقا واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والزاب وأقاصى المغرب وضيق على أهل المرية ثم زحف إليها آخر جمادى فقاتلهم وتورط في قتالها يومه ذلك ثم خلص وكتب إلى عامل القيروان أن يبعث إليه مقاتلتها فجاؤوا وزحف بهم آخر رجب فانهزم وقتل من أصحابه ثم زحف الزحف الرابع آخر شوال ولم يظفر ورجع إلى معسكره واشتد الحصار على أهل المهدية حتى أكلوا الميتات والدواب وافترق أهلها في النواحي ولم يبق بها إلا الجند وفتح القائم أهراء الزرع التي أعدها المهدي وفرقها فيهم ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثا من وربجومة وغيرهم فهزموا كتامة ووافت أبا يزيد حشود الربر من كل ناحية وأحاط بسوسة وضيق عليها ثم انتقض البربر عليه بما كان منه من المجاهرة بالمحرمات والمنافسة بينهم فانفضوا عنه ورجع إلى القيروان سنة أربع وثلاثين وغنم أهل المهدية معسكره وكثر عبث البربر في أمصار أفريقيه وضواحيها وثار أهل القيروان بهم وراجعوا طاعة القائم وجاء على بن حمدون من المسيلة بالعساكر فبيته أيوب بن أبي يزيد وهزمه وسارإلى تونس وجاءت عساكر القائم فواقعوه مرات وانهزم إلى القيروان في ربيع سنة أربع وثلاثين فبعث أيوب ثانية لقتال على بن حمدون ببلطة وكانت حروبه معه سجالا إلى أن اقتحم عليه البلد بمداخلة بعض أهلها ولحق ابن حمدون ببلاد كتامة واجتمعت قبائل كتامة ونفزة ومزاتة وعسكروا بقسنطينة وبعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم وجاءهم مدد أبي يزيد فلم يغن عنهم وملك ابن حمدون مدينة يتجست وباغاية ثم زحف أبو يزيد إلى سوسة في جمادي الآخرة من سنته وبها عسكر القائم وتوفي القائم وهو بمكانه من حصارها.